تزخر دولة الإمارات العربية المتحدة بمبانيها التاريخية والتي تعود لفترات زمنية مختلفة، وخاصة المباني الدينية المتمثلة في المساجد. حيث أولى سكان الإمارات اهتماما خاصا بها نظرا لدورها الفعال في تكوين شخصية الإنسان المسلم ، ومن بين تلك المباني
مسـجد البدية الذي يمثل الأصالة التاريخية في الدولة بثراء مكوناته وعناصره وتاريخه، مما جعل من مشروع ترميمه هدفا موضوعيا ذي أبعاد ثقافية واجتماعية وتاريخية تضيف آفاقاً متنوعة لمفهوم المحافظة على
التراث الحضاري لدولة الإمارات العربية المتحدة.
يقع المسجد في قرية البدية
بإمارة الفجيرة المطلة على خليج عمان ذات المميزات والخصائص التاريخية والعمرانية المتميزة، التي أثرت على البيئة المحيطة بما تحتويه من آثار ومباني ذات قيمة ثقافية واجتماعية والتي تعود للفترة الهلنستية (200 ق.م). يميز القرية المسجد التاريخي إلى جانب البرجان الأسطوانيان المجاورين المطلان عليها واللذان كان يستخدمان للمراقبة والحراسة، مثلهما مثل بقية الأبراج الأخرى المنتشرة في إمارات الدولة.
ويقع المسجد على الطريق بين مدينة خورفكان ودبا الفجيرة، حيث يبعد مسافة ثمانية وثلاثين كيلومترا شمال مدينة الفجيرة وخمسة وعشرين كيلومترا جنوب مدينة دبا الفجيرة وسبعة كيلومترات شمال مدينة خورفكان. أثبتت الدراسات المتخصصة أن تاريخ بناء المسجد يرجع إلى عام
1446م ، ومن هنا اكتسب المسجد مسمى القرية التي احتضنته منذ العهود السالفة حيث يمثل استمرارية لحقبة زمنية هامة تعبرعن التكامل بين الآثار التاريخية المحيطة والبيئة العمرانية.
تاريخ بناء المسجد ..استنادا الى نتائج دراسة حديثة اجرتها ادارة التراث والآثار بالفجيرة وبالتعاون مع جامعة سيدني باستراليا..
خلال موسم التنقيب الأثري 97/1998 م ..
حيث أخذت عينات من مواد عضوية من تحت أسس جدران المسجد وأجريت عليها تحاليل كيماوية بواسطة كربون 14 للتاريخ الزمني ..
فكانت نتائج التحاليل ...
أن مسجد البدية قد تم بناؤه بحدود العام
1446 م تقريبا ..
وقد تم ترميم مسجد البدية وتقام فيه الصلاة حتى الآن ...
ويتهافت عليه السياح للصلاة فيه والتقاط الصور التذكارية
وهناك مكان للوضوء وقد صمم ليتناسب مع المسجد
الوصف المعماري للمسجد يتخذ المسجد شكلا مربعاً
متساوي الأضلاع تبلغ مساحته ثلاث وخمسون متراً مربعاً( 53 م2). يتكون المبنى تتكون من قاعة الصلاة التي تحتوي على عناصر معمارية تراثية مثل: (المحراب ، المنبر ، العقود ، التجاويف ، الفتحات) حيث يتصدرها فناء إضافي مكشوف يستخدم كمدخل للمسجد.
تتميز قاعة الصلاة بوجود
عمود مركزي دائري المقطع يقسم حيزها الفراغي لأربع مربعات متقاربة الأبعاد تعلوها أربع قباب تأخذ من الخارج شكلا ًمتدرجاً على هيئة حلقات حلزونية متماثلة حول محورين متعامدين، الشيء الذي ينعكس على الصورة البصرية لنمط المسجد الذي تميزه
الخصوصية في الشكل الى جانب الإبداع الجمالي.
المسجد من الداخل يتميز المسجد بلوحات جصية مربعة بسيطة التكوين تسمح بالتهوية والإضاءة، كما يحتوي على زخارف بارزة في أسفل القباب من الداخل، كما تتميز الواجهة الخارجية للمسجد بوجود
شريط زخرفي جصي في أعلى جدار المدخل.
مشروع الترميم نظرا
لأهمية المسجد من الناحية التاريخية والمعمارية، فقد بادرت بلدية دبي و بطلب من ديوان سمو الحاكم في إمارة الفجيرة بترميم مسجد البدية ونطاقه العمراني المتمثل في المسجد و البرجين من خلال برنامج عمل بدأ في (18/8/2001م)، وينتهي في (30/10/2002 م). تعتمد
فلسفة ترميم المشروع للمحافظة على القيمة التراثية للمبنى على استخدام نفس مواد البناء الأصلية إلى جانب إتباع أسس وسياسات الترميم العالمية ، وذلك ضمن منهجية عمل قسم المباني التاريخية، كما اعتمدت منهجية الترميم كذلك على إعداد كافة الدراسات الأولية و التاريخية والاجتماعية، ومن ثم مرحلة المسح الدقيق
لمكونات البناء كتحليل العناصر المعمارية بالإضافة للدارسة الإنشائية كالكشف على الأساسات ودراسة حالات التشققات وتشخيص حالة مواد البناء داخل وخارج حدود المسجد وفي محيط الفناء والجدار الخارجي. كمرحلة أولى بدأ العمل بترميم الأساسات والجدران والأعمدة والتكسية الأرضية والجدارية وفق مراحل متتالية ومتتابعة حسب أولويات
تشخيص الحالة ووفق برنامج عمل المشروع.
المسجد أثناء الترميم و يجري العمل حالياً في ترميم
البرجين الموجودين بالمنطقة نظراً لأهميتهما التاريخية وباعتماد نفس منهجية العمل السابقة.
واستكمالاً لمشروع الترميم ولدمج مفهوم المحافظة على المبنى التاريخي ضمن الواقع الحالي وعدم فصله عن محيطه العمراني المعاصر، فقد تم دراسة وتجهيز بيئة المشروع بإضافة ملحقات خدمية و سياحية كصالة للعرض ومكتب للإدارة و سكن للإمام مع دراسة عدم تأثيرها على الصورة البصرية للموقع.